النظريات العلمانية لنشأة الدين والرد عليها

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المعصومين 

هنا سوف انقل كلام الشيخ الفاضل جعفر الهادي في كتابه القيم الله خالق الكون لتحميل الكتاب اضغط هنا 

النظرية : ان الدين جاء نتيجة خوف الانسان من الظواهر الطبيعية
الرد : 
[هناك] ثلاث اشكالات اساسية في هذه النظرية وما قيل في تقريرها وتبريرها : 
الاشكال الاول : 
أن اول ما يؤخذ على اصحاب هذه النظرية هو انه يبدوا وكأنهم قد افقتوا على تغافل ان هناك لنشوء الاعتقاد بالله في حياة الانسان عللاً طبيعية روحية كالفطرة او منطقية وعقلية كدلالة العقل الانساني على وجود قوة عليا عندما يواجه هذا النظام البديع هذه العلل التي تكشف عن ان للأعتقاد جذوراً واقعية في النفس والعقل الانسانايين غير عامل الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة 
وقد مر في ما سبق ان مجال نحت الفرضيات والتعليلات الفرضية يختص بالعادات واللحالات التي لا يوجد لها جذور واقعية في النفس والعقل الانسانيين كالتشائوم لرؤية الغراب او سماع نعيبه او الاعتقاد بنحوسة الرقم 13 وغير ذلك من التقاليد الخرافية السائدة في بعض الامم والشعوب على اختلاف مسالكها وعقائدها 
اما اذا ما كان له جذور واقعية في النفس الانسانية بأن كان له علة طبيعية او سبب منطقي في فطرة الانسان وعقله فلا يكون موضعاً للفرضيات المنحوتة والتعليلات الاحتمالية بل ويكون تجاهل تلك العلة الواقعية الطبيعية والسبب المنطقي ظلماً فضيعاً بحق العلم والفلسفة 
وهو ما ارتكبه اصحاب هذه النظرية ومؤيدوها وذلك عندما رفضوا او تجاهلوا فطرية التدين أو الرابطة العقلية بين مشاهدة النظام والاعتقاد بوجود منظم للكون وعمدوا الى اختراع هذه النظرية ...
الاشكال الثاني : 
ان هذه التعليلات فرضيات ذهنية لا يدعمها اي دليل[خارجي] يفيد يقيناً ويوجب اطمئناناً وهي تبقى كذلك فرضيا ليس لها اي قيمة علمية مهما ألبسوها عليها من حلل الالفاظ وافضاوا عليها من الاصباغ والالوان الزاهية .
فهل يمكن للعقل ان يقتنع بشيء لا يدعمه دليل ولا يؤيده برهان كهذه النظرية التي ليست الا ضرباً من الخيال ؟ وليس سوى مزاعم جوفاء وفرضياة مبنية على التخمين .

الاشكال الثالث : 
ان من الظلم الفاحش ان ينسب اعتقاد الشخصيات العظيمة و كبار العباقرة واسطين العلم والفكر الذين برعوا في إلجام الطبيعة وتسسير بعض قواها وكبح جماحها ودرء اخطارها عن البشر الى عامل الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة فهل يصح ان ننسب اعتقاد سقراط وافلاطون وارسطوا وغيرهم من كبار الفلاسفة الاغريق والفارابي وابن سينا والرازي وابن الهيثم ونصير الدين الطوسي وجابر بن حيان وغيرهم من عمالقة الشرق وغاليلو وديكارت وميوتن وابستور وغريهم من رجالات الغرب الى عامل الخوف من الحوادث الطبيعية وهم اهل عقل وفهم ورجال علم واستدلال ؟ 
فلم لا يكون اعتقاد الانسان البدائي على غرار اعتقاد هؤلاء العلماء مبنياً على الاستلال العقلي المتناسب مع مداركه ونشأته من فطرته النقية 


النظرية الثانية : ان الانسان اخترع الدين لجهله بالعلل الطبيعية
الرد : 
ان هذا التحليل يواجه ثلاث مؤاخذات هي : 
اولاً : ان ما يؤاخذ على هذه الفرضية هو عين ما ما اخذ على سابقتها [رابط المنشور السابق في الاسفل] وهو ان افتعال مثل هذه الفروض والاحتمالات وارتكاب مثل هذه التعليلات والتفسيرات انما يصح في الامور والعادات التي لم يكن لها علة واقعية - روحية - او منطقية عند ابناء البشر 
واما عندما يكون للعادة او الحالة سبب واضح كما هو الحال في مسألة الاعتقاد بالله -فلا مجال لمثل هذه التعليلات بل هي حينئذ تكون ضرباً من الخيال الذي تأباه العقول السليمة ويرفضه المنطق السوي
 
ثانياً : ان هذا التحليل ينم عن جهل صاحبه بالاعتقاد الالهًيين ومنطقهم على اختلاف مسالكهم ومشاربهم . 
فإن الاعتقاد بخالق للكون بعتباره العلة العليا - عند الالهيين- لا يعني تجاهل العلل الطبيعية وانكار الروابط المادية بينها وبين معاليلها ليكون اكشاف العلل والروابط في ضوء العلم سبباً لتزعزع الاعتقاد بوجود الله وانحساره 
ونسبة هذا اللامر الى اللالهيين محض كذب وافتراء وعين الظلم والجفاء واي ظلم اشد من ان ننسسب الى طائفة كبرى من البشر ما لا يقولون به بل وما هم بريئون منه فإن الاعتقاد بالله ليس-عندهم-بمعنى انكار العلل بل هو بمعنى انهم يعتقدون بأن النظام العلي السبيي السائد في الكون يرجع في مأله الى قوة عليا وينتهي الى مبدأ اعلى هو علة العلل وهو مسبب الاسباب وهو موجود ذلك النظام العلي فالانسان اذا اطل على هذا الكون وشاهد ما فيه من انظمة بسيطة واخرى معقدة تنظم ظواهر الطبيعة وتسير على وفقها جميع الحوادث بانتظام ودون فوضى او عبثية جرته هذه النظرة الفاحصة الى الاعتقاد بقوة مدبرة منظمة خالقة وراء هذا الكون العظيم ونظامه اللبديع هو الذي اوجد الكون وارسى فيه السنن 
فالاعتقاد بذلك اللخالق اللقادر المددبر وليد اللاعتقاد باللنظام السببي العلي والايمان بالعلل الطبيعية لا انكارها وتجاهلها كما زعم او توهم اصحاب هذه الفرضضية من الماديين واتهموا به الالهيين . 
... ولهذا فليسس الالهي هو من يبحث عن وجود الالله في ما يجهل عللله واسبابه وهو الذي لم يزل --من اول الهي والى الان- يستدلل على وجود الخالاق المدبر بالانظمة اللسائدة في الكون من دقيقها الى جليلها فكييف يعزى اليه انه يثبت وجود الله ويعتقد به بما يجهل فيه اللاسباب والعلل الطبيعية من الظواهر الكونية ؟ !

ثالثاً : ان هذه الفرضية تقوم على اساس ان البشر كان يعرف بل ويعتقد بقانون العلية وهذا يعني ان الانسان البدائي لما كان يجهل العلل الواقعية للظواهر الطبيعية ال به هذا الاعتقاد الى اختراع فكرة خالق الكون واحلالها محل العلل الطبيعية التي كان يجهلها حتى يرضي وجدانه الذي يلح عليه بنسبة كل ظاهرة الى علة . 
فللو كان اللبشر البدائي مدركاً بهذه الممنزلة لقانون العللية فلم لا يكون اعتقاده ببالله ناشئاًً عن اذذعانه بأن االنظام الرائع اللسائئد في اللكون الذذي لا ينفك عن تأثيرره بعض اجزائه في بعض وانسسجام بعضه مع بعض قد وجد بفعل قوة عاللمة وعارفة بالسنن والقوانين الكونية الللازمة . 
نعم ربما يوجد بين بعض البسطاء السذج من المؤمنين بالله من اقام او يقيم القوة العليا مقام العلل الطبيعية غير ان تفسير الاتجاه اللديني الذي شمل العالم البشري طيلة قرون مديدة وسار في ركبه ملايين البشر والاف الالاف من العظماء والنوابغ من المفكرين بمثل هذه الامور الصادرة عن بعض السذج والبسطاء في غاية السخافة ومنتهى الظلم.

الفرضية الثالثة : ان الدين وضع اما لستغلال الشعوب اقتصادياً واستعماله كاداة قمع للشعوب او ان الشعوب اخترعت الدين حتى تهرب من واقعها القاسي وهي النظرة الشيوعية للدين
الرد :
أولاً : ان معلومات هذا الفريق من الماديين عن الدين ومفاهيمه وجذوره وافكاره يرجع الى انطاعاتهم عن سلوك ابائهم او ما وجود في المجتمع من غث وسمين منسب الى الدين ولا شك ان الكثير من هذه التصرفات والمواقف والتصورات لا تمثل حقيقة الدين الناصعة وجوهره الصافي فقد طرأ على الامور الدينية من التشوه والمسخ والاعوجاج ما غيب تلك النصاعة والصفاء خلق غيوم من الابهام والانحراف 
ولو ان هؤلاء الماديين اعتمدوا المنابع الدينية الاصلية لدراسة الدين وجعلوا سيرة قادته المخلصين وسلوكهم النقي من الشوائب والانحرافات ملاكاً لحكمهم على العقيدة والافكار الدينية لقضوا بغير ما قضوا هذا ان كانو غير متأثرين بأفكار مسبقة ومندفعين بنيات مبيتة 
لقد اتخذوا هؤلاء ذلك الموقف المعادي والسلبي من الدين وهم يعيشون في البيئات الغربية التي يسود فيها دين الكنائس التي تنسب نفها وعقائدها وممارساتها المشينة الى المسيح زوراً وغير خفي على المطلع ان دين الكنائس في تلك البلاد كان قد انتهى الى مجموعة من الخرافات والتحريفات والاباطيل والمهازل هي التي بررت للماركسين ان يطلقوا مثل هذا الحكم القاسي والسلبي على الدين على وجه الاطلاق ولمعرفة هذه التحريفات وهذه الخرافات تكفي ماراجعة عابرة لكتاب العهدين وعظات القساوسة المنشورة
ثانياً : 
ان هؤلاء تغافلوا عما للدين والعقيدة الدينية من الاثار الايجابية البناءة في حياة الانسان وكيف انها من اهم عوامل التحرك والتقدم والرقي والصعود لا الجمود والركود
ثالثاً : ان البحث في على نشوء العقيدة انما هو في نشأتها في العصور الاولى من حياة الانسان على الارض في حين ان ما ذكره الماركسيون يرتبط بالادوار المتأخرة جداً عن تلك العصور اي قبل ان توجد ظاهرة الرق والاقطاع والرأسمالية فأن ما يذكرونه يرجع الى عصور الاغارقة او ما جرى في اوروبا في القرون الوسطى فتعليل العقيدة الدينية بهذه الظواهر المتأخرة عن الحياة البشرية الاولى جداً خطأ فضيع او تعمد مفضوح اذ ما الذي يفسر نشوء العقيدة الدينية ووجودها في العهود الاولى من حياة الانسان على الارض وقبل وجود هذه الظواهر [اي الرق والاقطاع والرأسمالية]

رابعاً : ان المطلقين لهذه النظرية كانوا يعيشون في اوضاع اقتصادية سيئة للعمال فلو تغيرت الظروف الاقتصادية المحيطة بهم ربما سوف يقولون ان الدين هو المحرك للعمل والمحرك للأبداع والمحرك للعدالة
خامساً : ان تعليل الظواهر الاجتماعية بعوامل اقتصادية اشبه بتعليل زلزال هائل دمر مدينة عظمى بأنهيار سقف خشبي في احدى ضواحي تلك المدينة
سادساً : لو لم تكون للعقيدة الدينية جذور فطرية او لم تكون هناك رابطة بين مشاهدة النظام والاعتقاد بوجود المنظم فلماذا يتفق المستغلون جميعاً على قبول هذه الظاهرة مع انهم يرون بأن اعينهم ان هذا العامل وسيلة لأخماد ثورتهم وامتصاص نقمتهم 
أليس يعني هذا ان المستغلين للطبقات المحرومة كانوا يستخدمون الدين في سبيل مصالحهم وهم يعتمدون على واقعية مقبولة لدى المستغلًين ذاتياً لو لم يكون الدين والتدين امراً فطرياً عند المحرومين او لم يكون امراً منطقياً لديهم فلماذا لم يرفضوا هذه الالة التي تستخدم ضدهم ؟
سابعاً : ان ما ذكروه يستلزم ان لا يوجد بين الطبقات المرفهة واصحاب الثروة والمكنة اي متدين لعلمهم بأن الدين ليس سوى وسيلة تستخدم لأخماد الثورات وجلب المنافع والحال اننا نجد طول التاريخ اصحاب ثروة وقفوا اعمارهم وثروتهم في سبيل تحقيق اهداف الدين المقدسة بحيث صار الغني والفقير والظالم والمظلوم والمضطهد والمضهد في هذه الظاهرة سواء
ثامناً: ان ما استشهدوا به لتبرير نظريتهم (وهو انه كلما انتعش حال الطبقات المحرومة اقتصادياً انحسرت العقيدة عن حياتهم وكلما تردت راجت العقيدة الدينية) جهل من هؤلاء المحللين بمجريات التاريخ
تاسعاً : ان استخدام المستغلين للعقيدة الدينية في سبيل مصالحهم شيء والدوافع الموجدة للعقيدة الدينية شيء اخر والبحث انما هو في الثاني دون الاول 
.
عاشراً : ان هذا يصلح للأديان التي طالها التحريف ولكن لا يصلح ذلك لتعميم على كافة الشرائع فالقرأن مثلاً بوضوح يتكلم ضد الطواغيت وضد الظالمين وضد الماربين وضد من يحاولون ان يجعلوا المال بيد فئة قليلة


انتهى النقل بتصرف بسيط والحمد لله رب العالمين 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الحدوث -مفصل-

ازلية الطاقة -محسن-

هل يوجد في القرأن اخطاء املائية او نحوية ؟