الدعاء في الاسلام


طرح احد الملحدين بطريقة متعجرفة ومليئة بالسخرية والهراء  إشكالات على موضوع الدعاء في الإسلام وارتباطه بالله عز وجل
تلخيص الإشكالات المطروحة يكون فيما يلي :

1-      اين رزق الله مع وجود فقراء مؤمنين ؟
2-      الم يعد الله المؤمنين باستجابة دعائهم ؟
3-      ما الفرق بين الله الذي لا يستجيب الدعاء وبين الاصنام التي لا تستجيب الدعاء ؟
الجواب :
مقدمة : ما هو الرزق في المفهوم الإسلامي ؟
على عكس الشائع من مفهوم عامي فان الرزق في الإسلام هو ليس العطاء المباشر بل هو توفير الامكانية من الله للعبد بالمباشرة او بعدم المباشرة وبالتالي فإن الله يكون رازقاً حتى لو لم يحصل ذلك الشخص على الرزق بل مجرد توفر إمكانية الرزق كافية في اعتبار الله رازقاً
مقدمة 2 : الله يصح ان يقال عنه رازقاً حتى لو لم يكون بالمباشرة :
لأن الله عز وجل خلق ما ينتفع به وخلق إمكانية الانتفاع في داخل الانسان وخلق الرغبة بالانتفاع في الانسان واباح للإنسان ان ينتفع يصبح الله عز وجل رازق حتى لو ان الشخص سار بالأسباب الطبيعية بدون ان يستعمل الدعاء او العبادة او حتى يكون مؤمن بالله وهذا يساعدنا على فهم الآيات الكثيرة التي ذكرها المتكلم مثل :

(وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم

نأتي لجواب الإشكالات:
[[اين رزق الله مع وجود فقراء مؤمنين ؟ ]]
اننا لا نؤمن بإن الله يجب عليه ان يرزق الانسان على ايمانه بل هذا داخل راجع الى الله عز وجل وخطته للإنسان وبالتالي لا معنى للسؤال عن الفقراء المؤمنين لأننا لا نشتري من الله الرزق بالأيمان وهذا المفهوم الوثني هو نابع من ان اغلب هؤلاء الملحدين لا يدرون اصلاً ما هو الإسلام واكثر اشكالاتهم على الإسلام الثقافي وليس على الإسلام الدين ، نعم ان المؤمن يمتلك خارطة الطريق التي يستعملها ويترجى من الله من خلال العمل بها ان يحصل على الرزق لكن هذا الدعاء هو ليس الا سؤال الله عز وجل ان يوفر إمكانية الرزق واما مباشرة الرزق فراجعة الى عمل الانسان لذلك لدينا العديد من الاحاديث التي بينت ذلك مثل : 

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام ، قَالَ : « أَرْبَعَةٌ لَاتُسْتَجَابُ لَهُمْ دَعْوَةٌ : الرَّجُلُ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ : اللهُمَّ ارْزُقْنِي ، فَيُقَالُ لَهُ : أَلَمْ آمُرْكَ بِالطَّلَبِ؟..

ولكن لماذا يوجد فقراء مؤمنين اصلاً؟ ان نرمي بوجود الفقر على الله عز وجل ببساطة مبني على الهروب من المسؤولية التي تواجه هذا المجتمع مثل ان هذا المجتمع اصلاً هو مجتمع غير منتج حتى يعمل اكثر الناس في الإنتاج وكذلك مجتمع غير قوي زراعياً فيشتغل الناس بالزراعة
بل حتى التقدم التكنلوجي ساهم في تقليل فرص العمل فالأرض التي كانت تحتاج الى يد عاملة لحرثها وبذرها أصبحت تحرث وتبذر باستخدام المكائن التي يديرها صاحب المزرعة الواحد
فالفشل الاجتماعي الحاصل هو سبب وجود الفقر الا ان حقيقة الامر ان اكثر البشر اليوم يعيشون حالة يحلم بها ملوك العالم القديم فهم يأكلون ما لذ وطاب ويرتدون ما لذ وطاب ويستمتعون بحالة غير مسبوقة من الامن
اذا اخذنا بعين الاعتبار هذه الأمور نفهم سبب وجود فقراء بعيداً عن تحليلات غبية يفترضها الملحد
والله عز وجل والرزق الذي يقدمه ليس حالة اعجازية من انزال المائدة او تفجير عين من الماء بل هو خلق الفرص والإمكانات كما ذكرنا
ولا ينبغي أيضا ان ننسى مسؤولية الأغنياء عن وجود فقراء ، فعلياً الأغنياء اليوم يمتلكون أموال تفوق حاجتهم بكثير بل تفوق حتى احلامهم وعدم تشغيل هذه الأموال في خدمة المجتمع وتقليل الفقر هو دليل اخر ان الانسان مسؤول عن وجود فقراء لا الله عز وجل .
ونزيد ان اليوم مقدار ما ينتجه البشر من طعام قادر على سد حاجتهم واكثر ففي خبر اننا ننتج اطعمة زراعية تكفي لحاجة 10 مليار شخص بما يتناسب مع التغذية الصحية حسب منظمة الصحة العالمية


[[الم يعد الله المؤمنين بالاستجابة؟]]


هذه الإشكالية يمكننا تفنيدها عبرة القران نفسه حيث ان استجابة الدعاء مرهونة بعدة عوامل وليس مجرد الطلب

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

فالله عز وجل يرزق بما يراه من حكمة
وقد يقال ما الدليل على ان الله حكيم ؟
وهذا فيه استدلالات كثيرة
لكن نحن نستدل على ان الله حكيم بأمرين
اولاً ان الله عليم والحكمة يقصد بها العلم
ثانياً ان أفعال الله وخلقه أفعال محكمة ومتقنة لا يمكن ان تخرج عن جاهل او غير حكيم
ملاحظة :
واستشكل هذا الشخص على الآية السابقة  ان العباد اصل حصل بينهم البغي ولكنه لا يدرك ان القران يتحدث عن ظاهرة مختلفة الا وهي كيف ان الشخص الذي يكون متمكن مادياً من السهل ان تخرب ذاته هذه الامكانية وتحيله شخص شهواني لا يراعي حرمات الاخرين وهذه الظاهرة معروفة تاريخياً وفي الواقع الذي نعيشه  
ويمكننا ان نستدل بمحاولات البشر على تحقيق هذه الحالة وكيف فشلت وانتجت المزيد من الفقر مثل محاولة الدول الشيوعية التي كانت مبنية على تامين حاجات الانسان ووظيفه وطعام من الدولة سرعان ما انطمست هذه الدول بل وكانت تعاني من فقر عميق وفساد وطغيان
[[ما الفرق بين الله الذي لا يستجيب الدعاء وبين الاصنام التي لا تستجيب الدعاء ؟ ]]

نقول ان الله استنكر على المشركين دعاء الاصنام في القران فقال :

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ

الا ان هذا الاستنكار لم يكون استنكار عقلي مجرد بل استنكار على ما رسخ في قلوب المشركين من ان الله هو وحده الرازق والملتجئ
 حيث قال :
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ

وقال :
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ

وثبت ان المشركين كانوا يعلمون هذا فمثلاً

قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ - لِأَبِي حُصَيْنٍ: «يَا حُصَيْنُ؛ كَمْ إلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ، قَالَ: إنِّي أَعْبُدُ سَبْعَةً، وَاحِدًا فِي السَّمَاءِ، وَسِتًّا فِي الْأَرْضِ: قَالَ: فَأَيُّهُمْ تُعِدُّ  لِرَغْبَتِك وَرَهْبَتِك، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

فهو استدلال على نفاق المشركين وعلمهم بالحق وفعلهم عكسه وليس استدلال بحت
الا انه حتى لو لم يكون كذلك فان هناك فرق بين الاستدلال العقلي على وجود الله عز وجل وكونه يتدخل في حياة الانسان وبين الاستدلال على وجود اله مثل هبل بالعادة والممارسة المستوردة من الإباء وبالتالي لا مجال للمقايسة

كتب للمراجعة في هذا الموضوع:
1-      العدل في مذهب اهل البيت – علاء الحسون
2-      الدعاء حقيقته وادبه واثاره – علي موسى الكعبي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الحدوث -مفصل-

ازلية الطاقة -محسن-

هل يوجد في القرأن اخطاء املائية او نحوية ؟